21 نوفمبر 2024 | 19 جمادى الأولى 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

الشيخ محمد النجار: حين نتأمل كتاب الله نجده مليئا برسائل الأمل والرجاء

06 فبراير 2018

الأمل هو انشراح النفس وقت الشدة والابتلاء؛ به ينتظر المرء الفرج بعد الضيق، واليسر بعد العسر، وهو خلق الأنبياء، بفضله استطاعوا أن يواصلوا دعوة أقوامهم إلى الله دون يأس أو كلل، رغم ما كانوا يلاقونه من إعراض ونفور وأذي؛ أملا في هدايتهم في مقتبل الأيام.
حول مفهوم الأمل والرجاء في دين الله تحدث فضيلة الشيخ محمد محمود النجار، الداعية والمحاضر، مؤكدا أن من طبائع الأمور أن الحياة لا تستقيم على حال، ولا تخلو من كدر، وما من أحد إلا وهو في مسيس الحاجة إلى قدر من الأمل والرجاء يستعين بهما على تحمل أنواء الحياة وابتلاءاتها.
ونحن حين نتأمل كتاب الله تبارك وتعالى نجده مليئا برسائل الأمل، سواء في الآيات المكية، أو في الآيات المدنية، ففي كل مراحل الدعوة كانت تتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات التي تبشره بتبدل الأحوال إلى الأحسن، وتبعث في نفوس المسلمين الأمل، وتدعوهم إلى البشر، وتصلهم بالله في كل حال، فنجد مثلا الآيات ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح:5-6]، ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر:45]، ﴿رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ [الحجر:2].
وهكذا امتلأ القرآن بالآيات التي تبعث البشر في النفوس، وتقوي العزيمة، وتفتح أبواب الأمل أمام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الابتلاء، وكيف لا؟ ألم يبتلى نبينا نفسه صلى الله عليه وسلم بفقد جميع أولاده في حياته إلا فاطمة؟ وابتلي بالتشريد والتكذيب والعنت، فينزل عليه قول ربنا تبارك وتعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونََ﴾ [الأنعام:33].
وعلى هذا النحو كانت آيات القصص القرآني، تعلم الناس قيمة وفضيلة الأمل والرجاء في الله جل وعلا، فمثلا نبي الله يعقوب عليه السلام، فقد ابنه يوسف عليه السلام، ثم فقد من بعده ابنه بنيامين، ثم فقد من بعدهما بصره من الحزن، جاء في تفسير الطبري أن المدة من ذهاب يوسف عليه السلام إلى عودته إلى أبيه ثمانين سنة، كل تلك السنوات لم يفارق الأمل قلب نبي الله يعقوب، برغم طول أمد الحزن والألم، وتوالي الابتلاءات على يعقوب وهو ثابت، لا تزيده تلك المحن والابتلاءات إلا تعلقا بالله أملا ورجاءا، فيقول لأبنائه: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف:87]، زادته المحنة عزيمة وصبرا وأملا في وعد الله الذي لا يخلف الميعاد.
وهنا ينبغي علينا أن نعي تماما الفرق مابين الأمل، وما بين الأماني الزائفة التي لا أساس لها، فليس معنى أن تكون ذو رجاء وواثقا في عطاء الله جل وعلا على الدوام، ألا تأخد بالأسباب، لا ينبغي على المرء أن يغرق نفسه في الأماني دون أن يكون هناك رافد واقعي يجعل هذه الأمنيات حقيقة واقعة.

إن المسلم حبيب لله تبارك وتعالى، حين يبتليه الله لا يفعل ذلك بغضا ولا لهوانه عليه، فقد ابتلي الأنبياء من قبله، وهم أحب الخلق إلى الله تبارك وتعالى، لذا ينبغي على أحدنا إذا رأي أن الابتلاءات كثرت عليه، ألا يسيء الظن بالله، وأن يتحين هذه الفرصة ليقوي علاقته بالله عز وجل، وأن يوقن تمام اليقين أن الله يبتلي المؤمن إما ليرفع درجته، أو ليكفر عنه خطيئة، أو ليدخر له في الآخرة، كما ينبغي علينا أن نوقن كذلك أن بعض الابتلاءات تخلص القلب من شائبة الدنيا، وتصحح للمرء وجهته، وتحقق له تمام التعلق بالله، والله تعالى يعلمنا في قرآنه: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمٍْ﴾ [الحديد:22-23].
 

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت